أمستردام المدينة التي تمّ بناؤها على جبلٍ من عظام السمك

بداية نشوء مدينة أمستردام تقول الأسطورة الهولنديّة أنّ مدينة أمستردام تمّ بناؤها على جبلٍ من عظام السمك وذلك في تعبيرٍ مجازيّ عن دور الكبير الذي لعبه صيّادو السمك في بناء مدينة أمستردام ، في العام ( 1275 ) حصلت مجموعة من صيّادي السمك على إذنٍ من الحكومة وقتها ببناء قريةٍ صغيرةٍ في موقع أمستردام اليوم من أجل إقامتهم .
بداية هذه القرية كانت عبارة عن مجموعةٍ من الأكواخ الخشبيّة مع سوقٍ صغيرٍ لبيع الأسماك التي كان هؤلاء يقومون بإصطيادها ، ومع زيادة عدد سكّان هذه القرية وكذلك توسّع النشاط الإقتصادي فيها بدأت تتحوّل إلى مدينةٍ صغيرةٍ، حيث تمّ بناء أوّل كنيسةٍ في تلك الدينة في العام (1300 ) أي بعد ما يقارب من (25 ) عام على بداية المدينة وهو المكان المعروف حتّى الآن بإسم الكنيسة القديمة حيث لا زالت تقام الإحتفالات الرسميّة إلى يومنا الحالي هناك .

وفي نفس العام تمّ أعلان (أمستردام ) مدينة ًجديدة ً في هولندا ، وبذلك حصلت على حقوق المدن الأخرى أصبح بإمكانها بناء أسوار للدفاع عن المدينة وبناء أسواق جديدة ٍتلبّي الحاجات في المدينة الناشئة والأهم من ذلك أصبح بإمكان المدينة تحصيل رسوم العبور من السفن القادمة حيث ساعد هذا القرار في زيادة المداخيل الماليّة التي تحصل عليها المدينة .
على ماذا كان يعتمد إقتصاد المدينة : كان أقتصاد المدينة يعتمد بشكلٍ أساسي على صيد سمك الرنجة المعروف بإسم ( harring ) في المناطق الهولنديّة، بعد ذلك تم ّ إدخال صناعة البيرة إلى مدينة أمستردام وإستطاعت المدينة الحصول على حقّ الإستيراد الحصري للبيرة من مدينة هامبورغ الألمانيّة ، وهذا ساعد أيضاً على دعم الإقتصاد داخل المدينة .
وقد ساعد الإقتصاد القوي للمدينة على التوسّع وبناء أحياء سكنيّة جديدة وحفر المزيد من الأقنية المائيّة المحيطة وأصبحت المينة مقصداً للراغبين بالعمل مما ساعد على إفتتاح أنشطةٍ تجاريةٍ جديدة ٍ في المدينة وهكذا بدأت المدينة توسّعا ً من ناحية العمران وزيادة عدد السكان وزيادة رأس المال الموجود في المدينة مما أعطاها قوّة ً إقتصاديّة حيث أصبحت المدينة مقصداً للتجّار .

العصر الذهبي لمدينة أمستردام : في نهاية القرن الخامس عشر قام الإسبان بالهجوم مقاطعة أنتويرب (بلجيكا ) وقامو بإحتلالها وهذا ما دفع العديد من سكّان هذه المقاطعة بالمغادرة وخاصّة ً أصحاب رؤوس الأموال حيث وجدوا في مدينة أمستردام مكاناً مناسباً للإستقرار و البدء بنشاطاتٍ تجاريّةهناك، وفي عام 1602 تمّ تأسيس شركة الهند الشرقيّة الهولنديّة حيث كانت أمستردام تملك حوالي نصف الحصّة في هذه الشركة وكان هذا بداية العصر الذهبي للمدينة .حيث شهدت المدينة خلال هذه الفترة إهتمام بالفنّ والعمارة بشكلٍ كبير وظهرت أسماء عالميّة في المجالات كلّها ( رامبرانت وفان كوخ ) وغيرها من الأسماء التي قدّمت الكثير للعالم .
وفي العام (1876 ) تمّ بناء قناة بحر الشمال مما أعطى أمستردام إتصالاً مابشراً بالبحر وأصبحت السفن ترسوا بشكلٍ يوميٍّ في المدينة وأزدهرت تجارة التوابل مع جزر الهند ( اندونيسيا ) وأصبحت لأمستردام مكانةً مرموقةً في عالم تجارة التوابل .

كما دخلت صناعة الماس إلى المدينة حيث كان يتمّ جلب الماس الخام من دول إفريقيا لتتم صياغته في مدينة أمستردام وأصبحت المدينة تحتلّ مكانة عالية بين المدن في الدول المجاورة وأصبحت مقصداً لأصحايب رؤوس المال بغية القيام بمختلف الأعمال التجاريّة .
المرض والجوع يغزو مدينة امستردام : في العام ( 1795 ) إحتلّت القوات الفرنسيّة أمستردام وتمّ تعيين حاكم من قبل السلطات الفرنسيّة للمدينة وهنا بدأ تاريخ من الجوع والمرض يغزو المدينة .
كانت الإمبراطوريّة الفرنسيّة تحلم بالسيطرة على الموارد في كل مكان وكان (نابليون ) يحلم بأن يحكم العالم ، وفي سبيل ذلك دخلت الدولة الفرنسيّة في حروبٍ ونزاعاتٍ كثيرةٍ مما جعلها تفرض ضرائب باهظةً على المدن وكانت أمستردام إحدى هذه المدن ،حيث إنتشر الجوع والمرض والجهل في المدينة في العام (1832 ) إجتاحت الكوليرا المدينة,مات الآلاف من السكّان ،كانوا يتساقطون في الشوارع ، كان الموت على شكل إسهالٍ شديد وتشنّجات ٍمع إزرقاق في الجلد ،توفّي حوالي (6000 ) شخص نتيجة الإصابة بمرض الكوليرا لم يكن هناك دواء معروف للمرض. ولم يتم التعرّف على أسباب المرض نفسه .

كان الإعتقاد أنّ هذا المرض هو عبارةٌ عن عقوبة ٌمن الله بسبب كثرة الذنوب . كان الناس يخرجون إلى ساحة ( الدام ) ليضربوا أنفسهم بالسياط تكفيراً عن الذنوب ليرفع الله عنهم هذا المرض. كانت مدينة أمستردام عبارةً عن قذارةٍ لا يمكن تصوّرها وكانت القنوات المائيّة مليئة بالفضلات.
اكبر حيّ في أمستردام يضم ّ( 90000 ) ساكن لايوجد فيه مرحاض أو ماء للإغتسال كانت الفضلات ترمى مباشرة ً في القنوات أو تجمع في برميل لتأخذها العربة ،كانت مياه الشرب نادرةً وكانت تجمع في الأقبية ليعاد شربها دفعت أمستردام ثمناُ باهظا ً في تلك الفترة .

جاءت الحرب العالميّة الثانية و تعرّضت أمستردام كباقي المدن الهولنديّة للدمار وبعد إنتهاء الحرب عادت الحياة لتلك المدينة الجميلة . وإتسّعت حركة البناء وظهرت الأبنية على الطراز الحديث ولكن بقيت مدينة أمستردام محافضةً على الطراز المعماري القديم فيها وتمّ بناء شبكة مواصلات وسكك حديديّة جديدة ٍ وتعتبر المدينة مقصداً للزوّار من كافّة أنحاء العالم والنشاط السياحي من أهم النشاطات في المدينة التى تعتبر إحدى أجمل مدن العالم .
هولندا اليوم